التعليم العتيق في سوس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]4 - ازدهار التعليم الديني في سوس
وبفضل هؤلاء العلماء الصالحين وأعمالهم الخالصة لوجه الله والمستمرة لإصلاح الأحوال وتنظيم الحياة في إطار الإسلام الذي يرحم الكون وما فيه ويعطي لكل ذي حق حقه اعتبرت أقاليم سوس مشكورة خلقيا من بين الأقاليم الأخرى.
وللتأكد من هذا يكفي أن نعرف أن احمد بن موسى الجزولي المذكور بينهم هو الذي وقع عليه اختيار العلامة السيد محمد بن يوسف الترغي لما بعثه عبد الله الغالب بالله السعدي ليبحث له في أنحاء المغرب عن شيخ صالح لتعليم وتربية أولاده وبعد عودته من جولته أرشده إلى العلامة الصالح الشيخ أحمد بن موسى الساكن في زاوية تازروالت والتي يقام فيها موسمه لحد الآن في شهر غشت من كل سنة. ويرجع هذا إلى أثر الدين الإسلامي الذي خالطت بشاشته قلب الشعب المغربي الذي أقبل عفوا إقبالا كبيرا على ولد النبي صلى الله عليه وسلم مولاي إدريس الأول الذي تلقى منه راية المجد باليمين فانتظم حوله وجعله إماما وسلطانا محكما في أرواحه وأمواله وبلاده.
وبفضل الله كانت لسوس منذ العصر الإدريسي نفحة دينية مالت إليه بخصب في العقول وازدهار في القرائح التي صانت فيها العلوم الإسلامية بصيصها وقد استمر أمر هذه النفحة بعده في كل من عهد المرابطين والموحدين والمرينيين واستفحل في عهد السعديين حيث انتشر فيه العلم انتشارا جعل إمام زمانه الحسن اليوسي يثني على السوسيين في اعتنائهم بالعلوم اعتناء زائدا. ويتجلى هذا بالخصوص في النصف الأخير من القرن الحادي عشر حيث جاء الشيخ ابن ناصر ونور زاوية تامكروت التي تخرج منها الفحول الذين نشروا العلم بكثرة في القرن الثاني عشر.
ثم جاءت الدولة العلوية فكانت سعد السعود على السوسيين فقد تكاثرت المدارس وزخرت بالطلبة وتنافست القبائل في بنائها حتى أن معظمها لا نراه إلا أسس في هذا العهد كما يقول المؤرخون فقد لاقى السوسيون في كل مناسبة من ملوك هذه الدولة الاحترام الزائد والتقدير الكبير وتمشوا في ظلها الوريف على الحالة التي اعتادوا السير عليها من الدولتين قبلها.
وقد أعجب قبل سيدي محمد بن عبد الله العلوي بالجو المحيط بهذه المدارس والسائد في جنوب المغرب بفضل الأسلوب العلمي والتربوي المتبعين فيها فأسس مدرسة لأولاده على شكلها في بلدة احمر كان لها التأثير المهم في إعداد الملوك والأمراء الصالحين الملتزمين بالعلم وآدابه والمطبوعين بطابع القرآن وأخلاقه والساهرين على حفظ الوطن وتراثه والدفاع عن حريته وكرامته.
ويذكر المؤرخون أن ازدهار العلم والدين في سوس في هذه القرون الثلاثة إنما رجع إلى الشيخ ابن ناصر بواسطة تلامذته وتلامذة تلامذته والدليل على ذلك مدرسة الحضيكي في أفيلال ومدرسة العباسيين ومدرسة الصوابي والمدرسة الجشتيمية ومدرسة الأسغركيسيين والمدرسة التمكديشية المؤسسة في القرن الثالث عشر والتي امتد منها الخير الكثير بواسطة الوعاظ في الأسواق الذين يعلمون العامة أصول الدين والعقائد الصحيحة حتى أصبحت أسواق جبال جزولة وأزغار مدارس تنشر دين الله في الآفاق ومنها تفرغ الأدوزيون والإلغيون وعلماء أساكا بإفران. ومنها تخرج أيضا الحسين نيت بهي المتوكي وسعيد الشريف والحسن التملي ومحمد المزوضي الشهير مدرسته في الحوز والذي تخرج بها كل العلماء السباعيين أصحاب المدارس هناك.
5 - العلاقة بين علماء سوس وملوك الدولة العلويةوقد كان للعلماء في سوس اتصال وثيق بملوك الدولة العلوية الذين يحترمونهم ويقدمونهم على رؤسائهم لأنهم يبرهنون عن إخلاصهم الصادق لهؤلاء الملوك إلى حد أنهم يصبحون أحيانا حراس الوحدة المغربية في هذا الجانب وسياجا متينا دون الثوار الذين يثبون في كل فرصة وجدوها لنشر الفتن والقلاقل بين السكان. ويدل على هذا ما قام به العلماء في سوس ضد بوحلاس إذ لولا علماء جزولة لفاز بمامه ولكن العالمين علي بن إبراهيم الأدوزي ومحمد ابن أحمد التاساماتي قاوماه مقاومة عنيفة وعرقلاه عم قصده وذلك في أيام مولاي سليمان العلوي رحمه الله.
ومن ذلك أيضا ما قاموا به سنة 1276هـ في الدفاع عن الكيان في قضية تطوان اذهب كل من الأساتذة الحسين بن أحمد التمكيدشتي والحاج أحمد الجشتيمي وأحمد بن إبراهيم السملالي والحسين الأزاريفي والعربي الأدوزي ومحمد بن علي اليعقوبي ومحمد بن صالح التدرارتي البعمراني وغيرهم من الذين ينادون في الناس ليلبوا دعوة السلطان وينفروا خفافا للدفاع عن الوطن.
ومن ذلك أيضا ما قام به المولى الحسن الأول في رحلتيه إلى سوس سنة 1299هـ وسنة 1303 هـ حينما اجتمع عليه العلماء ولاقاهم بتجلة ما مثلها تجلة فأجاز وكتب الظهائر وقدم أرباب العلم على أرباب الرئاسة فتأتى بذلك أن تفتحت له كل الأبواب وغمرت محبته كل جوانح السكان.
ومما يؤكد انقياد علماء سوس للعرش والجالسين عليه أنه لما انتصب المولى الحسن الأول خليفة لوالده على الجنوب رحل إلى سوس نحو 1280هـ ووجد أمامه الحسين بن هاشم التزروالتي مستأسدا بهم بأمور كما زعموا فأبى أن ينقاد بل هم بمناوأته فأمر كاتبه الفقيه الأستاذ محمد بن عبد الله الأساكني الأفراني أن يكتب جوابا عن رسالة وردت من المولى الحسن وأن يغلظ له فيها القول فقال له الأستاذ: لا والله ما أنا بفاعل أتريد أن أهد ديني بيدي؟ فلأي أرض تقلني؟ وأي سماء تظلني إن أسأت إلى ابن أميري وابن أمير المسلمين؟ فراجعه الحسين متشددا فقال له كف عني!فوالله لو خيرت بين قطع يدي وبين ارتكاب هذا لاخترت قطع يدي!
أما محمد الخامس رحمه الله فرغم أن دهاقنة الاستعمار هم الذين اختاروه ليخلف أباه مولاي يوسف رحمه الله سنة 1627م ظنا منهم أنه لصغره 17 سنة سيكون طوع أيديهم لكن محمد الخامس جاء ليقيم الدليل الواضح على أن ما تجذر عبر القرون من تقاليد الشرف والغيرة الوطنية يرضعه المغاربة أطفالا من لبن أمهاتهم.
6 - التعليم العتيق تحت إشراف إدارة الأحباس
وهكذا فبمجرد ما صدر الظهير البربري سنة 930م خطب في القرويين قائلا للخريجين لن أتخلى أبدا عن حق من حقوق وطننا. ومنذ ذلك الحين بدأ يخطط للتعليم العتيق وجعله منظما تحت إشراف إدارة الأحباس في كل من القرويين وابن يوسف والمعهد العالي بتطوان ومكناس مشجعا أساتذته وطلبته على مواصلة الجهود حتى يدركوا الشأو الذي أدركه الأولون في ميادين العلوم والعرفان.
وقد أكبروا تشجيعه وتأثروا بنبله واهتمامه إلى حد أنهم كانوا هم السباقين لمناصرته ووقوفه مع جلالته في غضبته التاريخية ضد الاستعمار. ولما رجع من منفاه رحمه الله كان همه الأول تنظيم التعليم العتيق الذي أخلص له ودافع عنه بالتشجيع المناسب له في عهد الحرية والاستقلال فنشره في تارودانت والجديدة ونماه في الشمال والجنوب لصالح الفتيان والفتيات وأدمجه في وزارة التعليم ليواصل مسيرته في ظلال الكرامة الوطنية ويواكب الركبان العلية في الداخل والخارج.
ولما التحق بالرفيق الأعلى رضوان الله عليه ترك وارث سره مولانا الحسن الثاني طيب الله ثراه ليحقق كل تخطيطاته للتعليم العتيق الذي كون المغرب به وبأطره العالمة امبراطورية شامخة العرنين.
ولقد أبى رحمه الله إلا أن يشجعه بدوره وينشره في كل من تزنيت وكلميم وطاطا وتافيلالت ويتوجه بكليات في كل من فاس ومراكش وتطوان وأكادير ويرفع ذكره في العالمين بدار الحديث الحسنية التي أنشأها لنشر حديث جده وتنوير أبناء وطنه.
و ها هو اليوم يواصل خطواته ويجدد مؤسساته ويعمم بركاته في عهد أمير المؤمنين سيدي محمد السادس نصره الله الذي بارك أعمال اللجنة الملكية للتربية والتكوين هذه اللجنة التي بذلت جهودا جبارة وما زالت لإصلاح التعليم عامة والعتيق خاصة على أساس الأصالة والمعاصرة في آن واحد. وعلى كل حال فالمغرب ودينه ونظامه وعلمه مصون بإذن الله فلن تخدعه شياطين الإنس والجن وإن بلغت في الإرجاف والإغواء ما بلغت بحول الله