السلام عليكم ورحمة الله وبرك
أيها الأخوة في الله: إن العلم يكفيه شرفاً أنه السبيل الوحيد للتوصل من خلاله إلى المعبود الذي يستحق العبادة
وحده سبحانه، ومعرفة كيفية التوصل إليه وبلوغ رضاه. لذلك فرض رسول الله طلب العلم على كل مسلم،
لأنه وسيلة إلى مهمةٍ خَلَقَ الله الخلق من أجلها . وأثنى الله تعالى على العلماء لأنهم أشد الناس خشية لله فقال
تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. ويكفي العلم شرفاً أن الله تعالى اتصف به، فالله جل وعلا هو العالم
وهو العليم وهو الذي يعلم. ولقد أحسن الشاعر عندما عرض مناظرة بين العلم والعقل وبيّن فضل العلم على
العقل فقال:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا
من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فقال العلم أن أحرزت غايتـه
وقال العـقل أنا الرحمن بي عرفـا
فأفصح العلم إفصاحاً وقال له
بأينا الرحمن في قـرآنـه اتصفـا
فبان للعقل أن العلم سيـده
فقبل العقل رأس العلم وانصرفـا
ولقد كثرت الآيات والأحاديث في الكلام عن العلم وفضله، قال رسول الله r : (من يرد الله به خيراً يفقهه في
الدين) رواه البخاري، وتواترت وصايا السلف في الحث على العلم منها ما جاء في وصية علي بن أبي طالب
لكميل بن زياد قال علي رضي الله عنه: (العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم يزكو
على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان به. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل
الأحدوثة بعد موته. وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي
الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم موجودة) اهـ.
والكلام عن العلماء وفضلهم يطول، فهم الذين يستضاء بهم من ظلمات الجهل، كما ينجلي ظلام الليل بالسراج
المنير، فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم. إن الأكابر يحكمون على الورى وعلى الأكابر تحكم العلماء
والعالم هو من يذكرك في الله مظهره، ويعلقك بالله مخبره، وتجعلك مع الله أقواله. قال عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه: (ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العلم الخشية)، فليس العالم إخوتي من لبس لباس المشيخة،
وتجلبب بجلباب العلم، وتشدق بفصيح الكلام، وجاء بغريب الألفاظ، بل إنه الذي إذا رأيته ذكرت الله، إنه الذي
إذا سمعت صوته حسبته يخشى الله، هذا هو العالم، العالم يسير في دعوته على مثل ما سار عليه الأنبياء، يعلق
قلوب الناس بالله، ويعرفهم، ويعلق أفئدتهم به، ويخوفهم من عقابه، ويحثهم على طاعته، ويحرص على
هدايتهم، ويبعدهم عن عصيان الله وعقابه وسخطه. فإن وجدت هذا العالم فالزمه ولا تفارقه. فإن لم تجده
فاعتن بصلاح نفسك، واختر لك صديقاً صالحاً مخلصاً في الله تنصحه وينصحك فإن وجدته فالزمه. ولا تغتر
بمن ذاع صيته وساء اعتقاده وعمله، فإن العبد لينشر له ما بين المشرق والمغرب، وما يزن عند الله جناح
بعوضة .
وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا,