بسم الله الرحمن الرحيم
لطائفُ اللهِ و إن طالَ المدى = كلمحةِ الطَّرفِ إذا الطَّرفُ سجى
كم فَرَجٍ بَعْدَ إياسٍ قد أتى = و كمْ سرورٍ قد أتى بَعْد الأسى
خَلقَ اللهُ الناسَ و اقتضتْ حكمته أن يبتليهم .
و هذا الأمر قدّره الله عز و جل في سورة الإنسان { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ }
و الناس يتفاوت صبرهم على بلواهم و مصائبهم ..
عجيبٌ أمرُهُ ذلك المُبتلى !
كانت حياته عادية ، يمشي فيها يطلب رِزقه ..
و يجري كثيراً خلف شهواته ..
أغرته الحياة ، و أغراه تقلّبه في النِعم .
ثم يشاء الله - و هو الحكيم – أن يُريَ هذا الإنسان حالاً أخرى
و أن ينبهه من غفلته ..
فيبتليه الله و تحلُّ بعبده مصائبٌ بعلمه و مشيئته سبحانه .
فأصبحَ العبدُ في حالٍ آخر ..
يدعو الله ليلَ نهار أن يكشف الغُمــّـة و أن يُنير الظـُــلمة .
ذلَّ و خَــضــَعَ لخالقه
انكسرَ عند بابهِ - سبحانه - ، و انطرح بين يديه
لا ينتظرُ وقت إجابةَ الدعوات حتى يدعو ..
بل كان دعاؤه في كل الأوقات ، في الاجتماع و أوقات الخلوات .
كم طالت سجدتـــُـه و سالتْ عبرتــُـه و هو يدعو الله
كم ليلٍ سهره و فرحةٍ فقدَها و هو يتقلّب في ساعات هذا الابتلاء
إنها أيّامٌ عصيبة و أوقاتٌ مريرة
فالقلبُ يكاد يُخلعْ ، و النفسُ تجزعْ .
و مع هلعه يعطيه الله صبراً و يقينا ، و يُنزلُ عليه السكينة فيرى الحقَّ مبينا
يُعللُ نفسه بــ ( لعلّ و عسى )
عسى فرَجٌ يكونُ عسى = نعلل النفسَ بعسى
فلا تجزع إن حُمّلتَ = هَمّاً يقطع النفسا
فأقربُ ما يكونُ المرءُ = مِن فرَجٍ إذا يئسا
و قبل هذا يستحضرُ آياتِ النصرْ ، و البشائر بعد الصبرْ
{ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
{ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }
و يظل يتذكر حديثَ الرسول عليه الصلاة و السلام [ و ما أُعطي عبدٌ عطاءً أوسعُ من الصبر ]
تمرُّ به الأيامُ و هو يقول " عسى فـَـرَجٌ يكون عسى "
فحيناً يصبر و حيناً يتصبّر .
يعيشُ المُبتلى ساعاتِ الابتلاء و كأنها دهور !!
طويلٌ ليلكَ أيها المُبتلى .. و كئيبٌ هو نهاركَ أيها المُبتلى .
كان للسعادةِ عنده طعمٌ لكنه فقده ..
و كان له للفرَحِ طريقٌ لكنه ما وجده ..
عاش هذا المُبتلى سنواتٍ و هو في بلائه و محنته .
يدعو الله و لا يفترُ لسانهِ عن الدعاء ، و لا تتعب مقلتيه من البكاء .
و كل يومٍ يقول :
هي الأيامُ و الغِيرُ = و أمرُ الله يُنتظرُ
أتيأسُ أن ترى فرَجاً = فأينَ الله و القَدَرُ
و كل لحظةٍ و هو يتفاءل
ما بينِ غمضةِ عَيْنٍ و انتباهتها = يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ
و يمضي يومٌ و يعقبه آخر ، و تمضي الشهور ثم السنوات و هو لا يَكلُّ و لا يَملُّ من التضرع و الدعاء
و نفسه لا تعرف اليأس و الجَزعْ .
ثم يشاء الله سبحانه و تقتضي حكمته أن تنقشع الغمامةَ السوداء ، و تنير الليالي الظلماء
و يأذنَ الله بالفرَج .
فتتنزلُ عليه رحمة الله و يُذهبُ الله عناء سنينَ ذاقَ فيها المــُـرَّ بكل أنواعه .
فتبتهجُ نفسه و تقرُّ عينه .
فماذا هو صانعٌ بعد سنين العناء ؟؟
و كيف يستقبلُ تلك النعمة ؟؟
أهو من الذين قال الله فيهم { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يونس
أم من الذين قال الله فيهم { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران
سنواتٌ مضتْ و هو يدعو و يتضرّع ..
أراد الله أن يذيقه طعْمَ المرارةِ ليُحسَّ بالحلاوة .
فماذا أنت صانعٌ أيها المُبتلى ؟؟
تخيّل أنَّ الله فرّج همّك و نفّس كَربك ..
تخيّل أن الرحمن الرحيم الذي وسعتْ رحمته السموات و الأرض ؛ قدّر و أذِنَ بالفرَج ..
فماذا أنت صانع ؟؟
أتتوقف تضرعاتك ، و تمضي ؟؟
أم ستتحول تلك التضرعات إلى شُكرٍ و حَمْدٍ لخالق الأرضِ و السموات .
و تلك الدموعُ المسكوبة من عينيكَ المُرهـَـقتين .. دموعُ الحزن و الرجاء .. هل ستتوقف ؟!
أترى عيناك تفقدُ ماءها ؟؟
أم ستكون دموعُ خشيةٍ له و شُكرٍ و فَرَح ؟؟
أيها المُبتلى ..
إن ابتلاكَ الله فهو رحيمٌ بكَ عالمٌ بحالك ..
و إن رفَعَ الله البلاءَ فهو متفضّلٌ عليك متمنن .
فاحذر أن تنسى فضْلَ الله و تنسى أياماً عِشتــَـها كاد الكبِدُ فيه يُفتُّ
و العينُ تفقدُ نورها .
و تذكّر قوله تعالى { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ
و أخيراً
اشتدي أزمةُ تنفرجي = قد آذنَ ليلُكِ بالبَلجِ
منقول للإفادة (صيد الفوائد) للدكتورة فجر الأمل
لا تنسوني من دعائكم إخوتي جزاكم الله