د. نايف محمد العجمي:
فقد انتشر في الاشهر القليلة الماضية برنامج اشتهر باسم «التسويق الشبكي» تعمل به شركة معروفة مقرها في هونغ كونغ، تبيع منتجاتها من خلال شبكة من المسوقين مقابل حصولهم على عمولات كبيرة.
وقد سألني كثير من المواطنين والمقيمين عن حكمها ومدى مشروعية الانضام إلى هذه الشركة وتسويق منتجاتها ودعوة الآخرين للانضمام اليها، فأجبتهم الى سؤالهم في هذه الدراسة المختصرة التي تكشف -بإذن الله- حقيقة هذا البرنامج وتبين حكمه الشرعي.
حقيقة التسويق الشبكي
يتركز عمل شركات التسويق الشبكي على دعوة الجمهور للقيام بتسويق منتجاتها مقابل الحصول على عمولات مغرية، فقد ألغت هذه الشركات دور الدعاية والوكلاء والموزعين والتجار في وصول المنتج إلى المستهلك، ومن المعلوم ان هذه الاطراف الأربعة تزيد تكلفتها على %80 من قيمة المنتج الحقيقية، فشركات التسويق الشبكي تلغي دور هؤلاء ليصل المنتج الى المستهلك مباشرة بقيمته الحقيقية.
والمنتجات التي يقوم اعضاء الشبكة بتسويقها هي في الغالب منتجات الشركة، فمثلاً الشركة التي تقدم هذا البرنامج في آسيا والتي انتشرت مؤخرا في الكويت يقوم برنامجها على تسويق منتجاتها، وهي عبارة عن: ساعات سويسرية، ومجوهرات، ومسكوكات معدنية نادرة، وأجهزة جوالات وهواتف مرتبطة بالأقمار الصناعية لتخفيض المكالمات الدولية، وقرص حيوي «البايو دسك» وهو مفيد من الناحية الصحية، يعمل على زيادة الطاقة في الجسم ورفع معدل الاكسجين في الدم.
أعضاء التسويق الشبكي
لا يكتسب الشخصي العضوية في التسويق الشبكي لدى الشركة إلا بعد شراء أحد منتجات الشركة عن طريق الانترنت ولابد أن يكون هذا الشراء عن طريق أحد أعضاء التسويق السابقين.
فإذا أراد شخص ان ينضم الى الشركة ويكون أحد أعضائها والمسوقين فيها فإنه يتعين عليه ان يشتري احد منتجات الشركة، ولن يتمكن من الشراء إلا إذا كان لديه الرقم التعريفي للشخص الذي دله على الشركة، لأن دعاية الشركة تنحصر في الاعضاء المسوقين لمنتجاتها، وقد التزمت بتقديم العمولات لهم مقابل تسويقهم لمنتجاتها فإذا لم يكن لدى الشخص أي رقم تعريفي لأحد أعضاء الشركة فإن الشركة تعتذر عن البيع له.
فإذا أدخل الشخص الرقم التعريفي للمسوق الذي دله على الشركة واشترى المنتج الذي يرغب فيه وتمت العملية فإن الشركة ستمنحه صفة وكيل أو عضو أو مسوق في الشركة، وتمنحه الرقم التعريفي الخاص به، فإذا نجح بعد ذلك في اقناع اثنين فاشتروا من الشركة عن طريقه، ونجح هذان الشخصان بإقناع اثنين آخرين بالشراء من الشركة أي كلما توفر ثلاثة أشخاص عن يمين المسوق الأول وثلاثة أشخاص عن يساره فإنه سيحصل على عمولة تقدر بـ250 دولاراً، فضلا عن العمولة التي يستحقها عن كل عملية بيع، وهي تختلف باختلاف المنتجات، وكلما نمت الشبكة التي تحت هذا المسوق استحق حصة من تلك العمولات فكل مسوق، من شبكته ينجح بتوفير ثلاثة أشخاص عن يمينه وثلاثة أشخاص عن يساره فإنه يستحق قسطاً من تلك العمولات مع أنه لم يبذل أي جهد في التسويق اللاحق.
الحكم الشرعي لهذا التسويق
ذهب معظم الأساتذة والفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية المعاصرة الى تحريم التسويق الشبكي، منهم: الأستاذ الدكتور علي السالوس، والأستاذ الدكتور علي محبي الدين القره داغي والأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي والأستاذ الدكتور حسن شحاتة والدكتور سامي السويلم والدكتور يوسف الشبيلي وغيرهم.
وممن افتى بهذا القول من اللجان والمجامع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في السعودية والمجمع الفقهي السوداني، فقد صدر عن هاتين الجهتين فتوى محررة تفيد تحريم التسويق الشبكي تحريما قاطعا.
ويتأيد القول بتحريم التسويق الشبكي بعدد من المؤيدات منها:
-1 انه في حقيقته أكل لأموال الناس بالباطل، لأن برنامج التسويق الشبكي لا ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، وبدون الخسارة اللازمة للمستويات الأخيرة لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا التي هي مقصود البرنامج، وهو بهذا لا يختلف عن التسويق الهرمي الذي له نهاية يتوقف عندها، فهو برنامج غير قابل للاستمرار، وإذا توقف كانت المستويات الأخيرة من الأعضاء هي الخاسرة، والمستويات العليا هي الرابحة، والمستويات الأخيرة أضعاف أضعاف المستويات العليا، وهذا يعني أن الأكثر تخسر لكي تربح الأقلية.
ولو افترضا إمكان استمرار البرنامج في النمو فإن المستويات الأخيرة تبقى خاسرة ولا يمكنها الخروج من ذلك إلا بإقناع أعضاء جدد ليكونوا مستويات دنيا تحتهم، فتنتقل الخسارة الى المستويات الجديدة، وهكذا والنتيجة أنه لا يمكن في أي لحظة ان يكون الجميع رابحاً.
-2 أنه من الميسر والقمار، فمقصود أعضاء التسويق الشبكي هو الاشتراك في التسويق وليس المنتجات، فالذي يدخل في برنامج التسويق الشبكي يدفع مبلغا من المال في منتج غير مقصود في الحقيقة مقابل الحصول على عمولات الغالب عدم تحققها، ذلك أن نجاح العضو المسوق في توفير ستة مشترين ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره أمر مشكوك فيه.
ثم إن قيمة العمولات التي يحصل عليها المسوق نظير تسويقه وفق نظام الشركة أضعاف أضعاف قيمة المنتج الذي يشتريه المشترك، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به البائع إلا إذا كانت العمولات قد تحصل وقد لا تحصل، ومن يحصل عليها يكون على حساب من جاء بعده ممن سوق لهم منتجات الشركة.
ومما يدل على أن مقصود الأعضاء هو الاشتراك في التسويق وليس الحصول على منتجات الشركة أن المسوقين والعاملين في هذا البرنامج يعتمدون في تسويقهم على إبراز العمولات التي يمكن تحقيقها من خلال الانضمام إلى هذا البرنامج، مما يؤكد أن وجود المنتج ما هو إلا ستار وهمي للقمار.
كذلك فإن معظم لوائح وأنظمة الشركة تتعلق بشروط وأحكام الانضمام وصرف العمولات، أما بيع المنتجات فلم تزد الفقرات التي تناولتها على بضعة فقرات مما يدل على أن العمولات هي المقصود في هذا البرنامج.
-3 إنه من الربا، لأن حقيقة البرنامج مبادلة نقد بنقد، والمنتج تابع غير مقصود أصالة، فالعضو في التسويق لم يشتر المنتج إلا من أجل الحصول على العمولات التي تزيد قيمتها على قيمة المنتج بأضعاف مضاعفة، فتكون المعاملة عبارة عن نقد مبذول من قبل العضو مقابل عمولات تزيد عادة على ما دفعه، وقد وسط منتج الشركة في هذه المعاملة غطاء لتلك المبادلة، وهذا وجه كونها من الربا.
ولو سلمنا أن المنتج مقصود في البرنامج، وأن العضو له غرض صحيح في المنتج، فإن الشراء من خلال هذا البرنامج لا يخرجه عن كونه ربا، فقد اتفق الفقهاء من المذاهب الفقهية الأربعة وغيرهم على تحريم المبادلة إذا تضمنت نقدا في أحد البدلين وسلعة معها نقد في البدل الآخر، وكان النقد المفرد أقل من النقد المضموم للسلعة أو مساوية، وهذا متحقق في برنامج التسويق الشبكي.
-4 إنه يعد من صور الغش والاحتيال التجاري، وهو لا يختلف كثيرا عن التسويق الهرمي الذي منعت منه القوانين والأنظمة، فالتسويق الشبكي كالهرمي يجعل أتباعه يحلمون بالثراء السريع، لكنهم في الواقع لا يحصلون على شيء، لأنهم يقصدون سرابا، بينما تذهب معظم المبالغ التي تم جمعها من خلالهم إلى أصحاب الشركة والمستويات العليا في الشبكة.
ولذلك منعت العديد من الدول من التسويق الشبكي، وحذرت الجمهور من الوقوع في مصيدة الشركات التي تعمل في هذا النمط من التسويق، لقناعتها بأنه لا يعدو أن يكون صورة من صور الغش والخديعة.
-5 إن التسويق الشبكي ليس مجرد سمسرة كما تزعم الشركة في موقعها، وذلك لأمور، بيانها فيما يلي:
أ- إن السمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع سلعة، بينما في التسويق الشبكي يدفع المسوق أجرا لكي يكون مسوقا وتجديد المبلغ سنويا ليستمر في البرنامج.
ب- إن السمسرة دلالة على سلعة أو منفعة مقصودة لذاتها لتصل في النهاية إلى المستفيد حقيقة لينتفع بها، بينما في التسويق الشبكي فليس ثمة سلعة مقصودة حقيقة في البرنامج، وإنما يتم بيع فرص تسويق على أشخاص ليبيعوها لغيرهم لتصل في النهاية إلى أشخاص لا يجدون ما يؤملونه من البرنامج، فليس الهدف في هذا التسويق بيع سلعة أو خدمة وإنما جذب مسوقين جدد ليجذبوا بدورهم مسوقين آخرين.
ت- إن مقصود السمسرة هو السلعة حقيقة بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود فيه هو تسويق العمولات.
ث- إن المسوق في السمسرة يبحث عن أكثر الناس حاجة للسلع والخدمات موضوع التسويق، بينما في التسويق الشبكي فإنه يبحث عن أقدر الناس على تسويق البرنامج بغض النظر عن حاجته.
ج- تنقطع علاقة المسوق بالمشتري بمجرد الشراء، بينما في التسويق الشبكي فإنها تبدأ بالشراء وتمتد إلى أن تصل الشبكة إلى أبعد مدى لتتعاظم العمولات التي سيحصل عليها.
والخلاصة إن التسويق الشبكي محرم شرعا، لاشتماله على عدد من المحاذير الشرعية، فيجب على المسلمين الحذر منه، والحرص على الأنشطة الاقتصادية المباحة، وهي كثيرة بحمد الله.