هذا ما يتعلق بعلاقة سياسة التعريب بالإسلام المفترى عليه في هذه السياسة، وهي كما رأينا علاقة شرْك وكفر، وهو ما يوجب على كل مسلم أن يحارب هذه السياسة وينهى عنها.
لنحلل الآن علاقة هذه السياسة باللغة العربية التي يزعم دعاة التعريب أنهم يدافعون عنها من خلال نهجهم لهذه السياسة.
من بين الأسلحة الابتزازية الماكرة التي يحارب بها القوميون العروبيون المغاربة ـ وكذلك الإسلامويون المغاربة ـ مطالبَ الحركة الأمازيغية، هو تكرارهم المملول أن هذه الحركة تعادي اللغة العربية وترفضها لأنها تعادي التعريب وترفضه. فحسب هذا المنطق الابتزازي الماكر، كما قلت، بما أن التعريب يرمي إلى رد الاعتبار للغة العربية، فإن رفضه يعني رفض اللغة العربية؛ ورفض اللغة العربية يعني رفض القرآن الذي نزل بها. وهو رفض للإسلام كما سبق شرح ذلك، فضلا عما يتضمنه ذلك من رفض "عنصري" للعرب الناطقين بهذه اللغة العربية. وإذا عرفنا مدى حب المغاربة للغة القرآن وعمق إيمانهم بالإسلام، سندرك فعالية وخطورة الابتزاز الذي يمارسه دعاة التعريب على المدافعين عن الأمازيغية والمطالبين بإنصافها ورد الاعتبار لها: إما أن يقبل الأمازيغيون سياسة التعريب ويكفّوا عن رفضها ومعارضتها، وإلا فإنهم معادون للغة العربية التي نزل بها القرآن الذي حمل رسالة الإسلام.
لكن عندما نحلل مضمون التعريب كسياسة تمارسها الدولة منذ الاستقلال، سنكتشف أن لا علاقة لهذه السياسة التعريبية بتعليم اللغة العربية المفترى عليها، ورد الاعتبار لها والرفع من مكانتها كما يتذرع بذلك دعاة التعريب. لنشرح ذلك بشيء من التفصيل.
أنصار سياسة التعريب يبررون هذه السياسة بقولهم إنها ترمي إلى الدفاع عن اللغة العربية ورد الاعتبار لها من خلال تعميم تدريسها وتعليمها واستعمالها. قد لا يحتاج تفنيد هذا المبرر إلى استدلال طويل وحجاج كثير.
إذا كان هدف التعريب هو تعميم وتعليم ونشر اللغة العربية، فلماذا تحوّل المغرب من بلد أمازيغي إلى بلد عربي وبانتماء عربي ذي دولة عربية تحكمها سلطة عربية في أقل من مائة سنة، وبالضبط منذ فرض الحماية الفرنسية على المغرب في 1912، وهو التاريخ الذي انطلق معه مسلسل التعريب في مرحلته الأولى قبل أن تبدأ مرحلته الثانية الجنونية منذ الاستقلال إلى اليوم؟ يجيب دعاة التعريب بأن تحوّل المغرب من بلد أمازيغي إلى بلد عربي يجد مصدره في انتشار اللغة العربية، هذا الانتشار الذي هو نتيجة لسياسة التعريب التي نهجتها الدولة منذ الاستقلال.
طيب. لكن كيف يؤدي انتشار اللغة العربية إلى تعريب كامل للمغرب، أي انتقاله من بلد أمازيغي ـ كما كان قبل الحماية الفرنسية ـ إلى بلد عربي عضو بالجامعة العربية، إذا كانت نسبة الأمية بالمغرب تتجاوز، حسب الأرقام الرسمية، نسبة 55%؟ فإذا كان انتشار اللغة العربية، كنتيجة لسياسة التعريب، هو سبب تعريب المغرب وانتقاله من بلد أمازيغي إلى بلد عربي، فيجب منطقيا أن يكون هذا التعريب وهذا الانتقال محصورين في حدود لا تتجاوز 45%، ولا يشملان المغرب بكامله ما دام أن 55% من المغاربة لا يعرفون اللغة العربية. والحال أن المغرب يعتبر، اليوم، بلدا عربيا تحكمه دولة عربية، ليس بنسبة 45%، بل بنسبة 100%. إذن، واضح أن تعريب المغرب لا يمكن أن يكون نتيجة لانتشار اللغة العربية عن طريق تعميم تدريسها وتعلمها، وإلا لكان هذا التعريب جزئيا ومحصورا في الحدود الضيقة لانتشار اللغة العربية التي لا تتجاوز 45%. نتيجة هذا الاستدلال، إذن، هو أن مصدر تعريب المغرب لا يمكن أن يكون هو انتشار اللغة العربية كما يزعم المدافعون عن التعريب. فما مصدر تعريب المغرب إذن وتحوّله من بلد أمازيغي إلى بلد عربي؟