ظاهرة الازدهار في العالم الغربي ليست مطلقة كما يتصور العديد من شبيبتنا في العالم الثالث، فالآلية التي تحكم المجتمعات الغربية هي الثروة، وكلنا نعرف بان الأغنياء يستهدفون مراكمتها، والفقراء يحلمون بها، وعندما تكون الثروة هي الحكم، والمال هو السيد المطاع، تتفتح أبواب المآسي على اختلافها بما فيها الفقر الذي تهيمن ظلاله في كل مكان من دول أوربا الغربية بشكل عام وإيطاليا بشكل خاص.
ويؤكد التقرير السنوي الأخير للدولة الإيطالية المختص بسياسة محاربة الفقر بان ظاهرة الفقر بازدياد كبير في البلاد، حيث بلغ عدد الفقراء الذين يعيشون دون خط الفقر الذي حددته الأمم المتحدة بأكثر من ثمانية مليون مواطن، ويشكل الجنوب الوعاء الأكبر لفقراء إيطاليا، حيث يعيش 62 في المئة من مواطني الجنوب تحت ذلك الخط المرعب الذي لا يريد أحد من حكام البلاد سماعه.
هنا نستطيع تقليب عيوننا في وجوه عديدة للفقر، لا تني تشكل ظاهرة واسعة في البلاد، فالعديد من الشباب العاطلين عن العمل والذي تقدر أعدادهم بأكثر من ثلاثة ملايين لا يستلمون مساعدات شهرية( نظام الويلفر) من الدولة كما هو متبع في العدد الكبير من دول الاتحاد الاوربي، مما يضطر العديد منهم للعيش في التشرد، يتنقلون للنوم ما بين الملاجئ المليئة بالقاذورات والأمراض، او في غرف الفقراء المحشورين فيها كالقطعان المشحونة، او في عربات القطارات القديمة العاطلة، او تحت الأنفاق في الخفايا المظلمة البعيدة عن أنظار الشرطة، او تحت الجسور والقناطر العامة التي تنتشر في المدن الكبيرة لينتهي مصير اغلبهم بالمرض والبؤس والابتعاد عن العالم، وقلوبهم الموجعة بالمزيد من الألم والحرمان، تجعلهم بكل تأكيد يؤثرون الموت على الحياة.