عرفت الممالك الأمازيغية القديمة في شمال أفريقيا نهضة ثقافية وفكرية ودينية نشيطة بفضل أبنائها الذين كرسوا كل جهودهم من أجل خدمة الهوية الأمازيغية ولغتها وحضارتها، والوقوف ضد الغزاة والمحتلين الرومان والوندال والبيزنطيين الذين استهدفوا السيطرة على شعوب تامازغا وتقسيم الأمازيغيين إلى ليبيين ونوميديين وموريين أو تقسيم البلاد إلى أفريكا ونوميديا وموريتانيا والتي بدورها تم تقسيمها إلى موريتانيا القيصرية (الجزائر) وموريتانيا الطنجية ( المغرب) من أجل استغلال ثروات هذه البلدان وإذلال شعوبها وتركيعها ومسخ هويتها. بيد أن الأمازيغيين حاربوا هؤلاء المستعمرين القساة الطامعين وصدوهم بقوة وصمود . وقد أظهر كل من ماسينيسا ويوغورتة وتاكفاريناس وإيدمون ودوناتوس شجاعة نادرة وبسالة كبيرة في التصدي والمقاومة والمواجهة مازال التاريخ القديم يشهد بذلك عبر صفحاته الناطقة.
وسنحاول في هذه الدراسة المتواضعة أن نركز على بعض الجوانب الثقافية والأدبية والدينية والعلمية في الحضارة الأمازيغية القديمة مستعرضين بعض الشخصيات الأمازيغية التي خدمت الساحة الفكرية المحلية والجهوية والعالمية.
المثقفون السياسيون الأمازيغيون:
الملك يوبـــــا الثاني:
يعتبر يوبا أو جوبا الثاني من كبار العلماء والمثقفين الأمازيغ إذ كان يمتاز بسعة العلم والاطلاع، وكان كثير السفر والبحث والتجوال وموسوعي المعارف والفنون. وقد ألف كثيرا من الكتب والبحوث والمصنفات ولكنها لم تصل إلينا سليمة، بل ثمة إشارات إليها في كتب المؤرخين مبثوثة هنا وهناك...
هذا، وقد تمكن يوبا الثاني ومن بعده ابنه بطليموس من توحيد القبائل الموريتانية في إطار مملكة مورية، ويعني هذا أن يوبا الثاني وحد القبائل الامازيغية في المغرب واتخذ عاصمتين لمنطقة نفوذه " شرشال" في الجزائر أو ما يسمى ب" قيصرية" إرضاء للروم و " وليلي" عاصمة له في المغرب . وأنشأ حكما ديمقراطيا نيابيا تمثيليا، وشجع الزراعة والصناعة والتجارة. كما اهتم بالجانب الثقافي والعلمي والفكري ، فأعد خزانة ضخمة جمع فيها أنواعا من الكتب والوثائق العلمية والتاريخية، واستقطب نحو عاصمته كبار العلماء والأطباء من اليونان والرومان، وأمر بجمع النباتات الطبية والأعشاب. وشارك في رحلات علمية استكشافية داخل جبال الأطلس ونحو جزر كناريا الحالية. وجمع رحلاته العلمية وكشوفاته الطبيعية والجغرافية وأحاديثه عن المغرب في ثلاثة مجلدات ضخمة سميت" ليبيكا"، ومن أحسن ما تضمنته ليبيكا قصة "الأسد الحقود" التي مازالت تروى من قبل الجدات في عدة مناطق أمازيغية في المغرب باللغة البربرية كما ورد في كتاب"لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين" .
ويقول الباحث المغربي محمد شفيق عن يوبا الثاني بأنه كان يكتب" باليونانية في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والأدب وفقه اللغة المقارن، فتعجب من نبوغه " فلوتارخوسPlutarkhos" ومن كونه" بربريا نوميديا ومن أكثر الأدباء ظرفا ورهافة حس"....ونصب له الأثينيون تمثالا في أحد مراكزهم الثقافية...تقديرا لكفاءته الفكرية. وقد نقل عنه علماء العصر القديم، وحسده معاصروه منهم ونفسوا عليه نبوغه، بصفته بربريا barbarus ، وكأن نفاستهم عليه تسربت إلى نفس المؤرخ الفرنسي Stéphane Gsell ، إذ ما فتئ Gsell يحاول أن يغض من قيمة أعمال يوبا الفكرية، فتبعه في ذلك تلامذته من الأوربيين الذين أرخوا للمغرب الكبير في عهد الاستعمار الفرنسي، كما تبعوه في تحاملهم على أبيه يوبا الأول من أجل حرصه على سيادة مملكته. والدافع عند Gsell ومن تبعوه هو أنهم كانوا يعتبرون الفرنسيين ورثة للرومان في أفريقية الشمالية، ويرون أن "الأهالي " Les indigènesلا يمكن أن يكونوا إلا "أهالي" في الماضي والحاضر على السواء، بما أشربته الكلمة في لغتهم إذاك من معاني الاحتقار."1.
و إذا انتقلنا إلى مؤلفات يوبا الثاني فهي كثيرة لا يمكن عدها أو حصرها، ومنها: " تاريخ بلاد العرب" الذي وضعه لتعليم يوليوس قيصر إمبراطور الرومان، و"آثار آشور" وقد كتبه بعد أن رأى بلاد الأشوريين واستمتع بحضارتهم وثقافة بلاد الهلال الخصيب، كما كتب عن "آثار الرومان القديمة" ، و" تاريخ المسارح " الذي تحدث فيه عن الرقص وآلاته الموسيقية ومخترعي هذه الفنون، وكتب " تاريخ الرسم والرسامين" ، وكتاب "منابع النيل" بله عن كتاب "النحو" و"النبات". 2
ويظهر لنا هذا الكم الهائل من الكتب أن يوبا الثاني كان من المثقفين الأمازيغيين الكبار الذين تعتمد عليهم الإمبراطورية الرومانية في التكوين والتأطير والتدريس وجمع المادة المعرفية المتنوعة التي تتمثل في الجغرافيا والحفريات واللغويات والفنون والتاريخ والطبيعيات... وكانت ليوبا الثاني مكانة كبيرة في المجتمع الروماني مادام قد حظي بتدريس يوليوس قيصر الروماني وسهر على تثقيفه وتعليمه.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان يوبا الثاني يهتم بتجميل الحواضر وتزيينها على غرار الحواضر الرومانية تقليدا بفن عمارتها وهندسة مبانيها وجمال مدنها كما يقول المؤرخون "خاصة عاصمتيه أيول( قيصرية) وأوليلي، مما يعكس ذوقه ومدى الرخاء الذي شهدته مملكته، فضلا عما يمكن استنتاجه من كون تشجيع الحياة الحضرية يدخل في إطار السياسة الرومانية الرامية إلى تدجين الأمازيغيين.
خلاصة القول: إن يوبا الثاني أيضا " حكم موريتانية تحت مراقبة روما وبالنيابة عنها طوال الفترة بين 25 قبل الميلاد و23 قبل الميلاد قام خلالها بتمهيد السبيل أمام الحكم الروماني."3
وعلى الرغم من ذلك، فقد خدم يوبا الثاني الثقافة الأمازيغية حتى أصبح نموذجا يحتذى به في البحث الجغرافي ومجال الاستكشاف الطبيعي والتنقيب الميداني.
ب- الأدباء الأمازيغيون:
1- الروائي أبوليوس أو أفولاي:
نشأ لوكيوس أبوليوس أو أبوليوس الماضوري في أسرة أرستقراطية في مدينة مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس سنة 125م. إذ كان أبوه أحد الحاكمين الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، و كان أبوليوس أشهر كتاب و شعراء هذا العهد.
لقد درس هذا الأديب الأمازيغي الأصل بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف، و كانت هذه المدينة الإفريقية عاصمة فكرية و سياسية في آن معا، و نبغ فيها هذا الأديب، وتخصص في المسرح و نبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في المسرح، و كان يقول لهم:" إني لا أرى في مدينتكم إلا رجالا كرعوا من مناهل الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، و تحلوا به شبانا ودرسوه شيوخا، إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتنا، و هي عروس الشعر في إفريقية، و هي أخيرا، ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة"(13). وقد تابع أبوليوس دراساته العليا في اليونان ( أثينا) وإيطاليا و آسيا الصغرى، و لقد أعجب بالفلسفة السوفسطائية ، و الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية سعيدة(14).
و بعد عودته الى بلده، اتهم هناك بممارسة السحر، فدافع عن نفسه بصلابة، و ألف في الموضوع كتابا عنوانه:" في السحرMagicae."(15).و سبب هذه التهمة أنه صادف أثناء إقامته في طرابلس أن وقع في مغامرة غريبة،" ذلك أنه ما أن تزوج من أم أحد أصدقائه، و كانت إلى ذلك الوقت ممتنعة امتناعا شديدا من التزوج ثانية، حتى اتهم بأنه سحرها، و قد أخذ أحد المحامين على نفسه، أن يقيم الدليل على أن يدافع عن نفسه دفاعا رائعا. لم يكن كله مقتنعا و أنحى على خصومه باللائمة، لأنهم خلطوا بين الفلسفة و السحر، و قد حرر خطابه بعد ذلك في صيغة إيجابية، فأصبح يعرف بالأبولوجيا (Apologie)(16).
و لم تعق هذه التهمة مسيرته الفكرية، إذ سرعان ما توجه إلى قرطاج لممارسة العلم و تلقين الدروس لطلبة الثقافة و الأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه المدينة، و المحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها (17).
وعليه، فلقد نعت أبوليوس بمواصفات عدة، إذ كان غريب الأطوار و كثير المتناقضات فهو جدي و طائش و متطير و شاك و معجب بنفسه، و كان يدافع عن" المستضعفين" كثيرا.
و كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، إذ نافس اللاتينيين و الرومانيين و اليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا ولاسيما في روايته الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، و بها وضعه تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين في كتابه ذاك الذي يسمى "التقمصات Les métamorphoses أو الحمار الذهبي (18)، علاوة على كونه مسرحيا و شاعرا كبيرا خاصة في ديوانه (الأزاهير) Florides ، وهو عبارة عن مقتطفات شعرية ألقاها في قرطاج وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور فهمي خشيم . ويضم هذا الديوان ثلاثا و عشرين قطعة من خطاباته تتفاوت طولا وقصرا، جمعها أحد المعجبين به" كباقة" جمعت أجمل زهور بلاغته، و كان يتبجح فيها بأنه يتقن الفنون على اختلافها، وكان يتوجه لمساعد القنصل في شيء من الخيلاء البريئة قائلا:" أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط، أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة، أو فيض الوجدان، لمرح الملهاة أو جلال المأساة، و كذلك لا أقصر لا في الهجاء و لا في الأحاجي و لا أعجز عن مختلف الروايات، و الخطب يثني عليها البلغاء، و الحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟إني أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس و نفس الأسلوب"(19).
وقد أطلقت على روايته الغرائبية (الحمار الذهبي) تسميات عدة من بينها: المسوخ Les métamorphoses ، وقصة المسخ كما عند حميد لحمداني، أو "الحمار الذهبي" ( أو التحولات ) كما عند عمار الجلاصي، أو الحمار الذهبي فحسب كما لدى أبو العيد دودو ، أو" تحولات الجحش الذهبي" كما عند فهمي علي خشيم. وأسميها – شخصيا- رواية" الحمار الوردي"، لأن كلمة الورد أو الوردي تتكرر مرارا في متن الرواية، إذ وصف لوكيوس بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله، ويفر كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه. وهناك من ترجم هذه الرواية عن اللاتينية كعمار جلاصي وأبو العيد دودو، وهناك من ترجمها عن الإنجليزية كعلي فهمي خشيم.
ومن كتبه الأخرى "دفاع صبراتة" الذي ترجمه الدكتور فهمي علي خشيم، و" في السحر"، و كتاب"شيطان سقراط" وهو عبارة عن كوميديا ساخرة تختلط فيها الفلسفة بالسخرية، وقد شرع الكاتب الليبي فهمي علي خشيم في ترجمته إلى اللغة العربية.
هذا، وقد ظهرت قصة أبوليوس في مسخ الإنسان إلى حيوان ثم عودته الى حالته الأولى في أواخر القرن الأول بعد الميلاد أي حوالي سنة 170 م في قرطاج، و راوي هذه القصة هو لوسيــان حيث حوّل البطل لوكسيوس إلى حمار الذي سيعود إلى صورته الآدمية الأولى بعد مغامرات عديدة تتخللها قصص جزئية متداخلة، تضمينا و تشويقا وتوليدا كقصة "بسيشـية وكوبيـدون" الرائعة في أبعادها الفاطاستيكية والأخلاقية.
وتتميز رواية "الحمار الذهبي" بطابع ملحمي و فانطاستيكي غريب، حيث تعتمد على فكرة المسخ و تحويل الكائن البشري الى حيوانات أو أشياء على غرار الإبداعات اليونانية . إذ يتحول لوكسيوس في هذه الرواية إلى حمار بسبب خطإ حبيبته فوتيس التي كان يحبها لوكيوس كثيرا حينما ناولته مادة دهنية في ملك سيدتها بامفيلا زوجة ميلون التي تمارس السحر في غرفتها السرية، وبهذه المادة يتحول الكائن البشري إلى أنواع من الطيور والكائنات الخارقة التي تجمع بين الغرابة والتعجيب. وعندما سمع لوكيوس الشاب أسرار سحر هذه المرأة دفعه تطفله وفضوله إلى أن يأمر فوتيس بجلب دهن الساحرة ليجربه قصد التحول إلى طائر لينأى عن الناس ويهاجر حيال عالم المثل بعيدا عن عالم الفساد والانحطاط البشري. بيد أن فوتيس جلبت له مادة دهنية سامة تحوّل الإنسان إلى حمار. و بعد مغامرات صعبة ذاق فيها لوكيوس أنواعا من العذاب والهلاك وتعرف عبرها مكائد البشر وحيلهم يعود إلى حالته الآدمية الإنسانية بعد أن تدخلت الآلهة إيزيس لتجعله راهبا متعبدا وخادما وفيا لها.
ونخلص إلى أن رواية أفولاي "الحمار الذهبي" سواء أكتبت باليونانية أم باللاتينية أم بتيفيناغ، فإنها إبداع عالمي يعبر عن هوية أمازيغية مغاربية نوميدية. وقد أثرت عجائبية هذه الرواية الفانطاستيكية على الأدب القديم والرواية الغربية الحديثة و الرواية العربية المعاصرة ولاسيما المغاربية منها. ولا ننسى أن نقول كذلك بأن هذه الرواية من أقدم الروايات الأمازيغية التي تحسب على الأدب الأمازيغي لا على الأدب اللاتيني كما يذهب إلى ذلك إميـل فاگيـهFaguet في كتابه "مدخل إلى الأدب" الذي حاول أن يطمس أمازيغية هذه الرواية ذات الشهرة العالمية ليلصق عليها الهوية اللاتينية ليجرد الأمازيغيين من كل الفضائل الإيجابية و مهارات الابتكار و الإبداع و لينسبها إلى اللاتينيين والرومان. ولم تقف هذه الرواية عند عتبة التقليد و استلهام الخرافة اليونانية، بل كانت آية في الروعة و الخلق والتناص و الإبداع العالمي قصة وصياغة وسردا.
2- المسرحي ترنتــيوس آفر:
ولد ترينيس آفر في مدينة قرطاج التونسية سنة 184م، وهو من أهم كتاب المسرح في الثقافة الأمازيغية القديمة وتوفي سنة 159م. وأخذ أسيرا في الحرب البونيقية الثانية التي خاضتها روما ضد قرطاجنة التي انتهت بهزيمة تونس وإخضاع شمال أفريقيا كله للسيطرة الرومانية البشعة. وقد اختار أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروماني هذا الغلام خادما له وأعطاه نسبه " ترنتيوس لوكانوس"، وعاش في وسط طبقي اجتماعي أرستقراطي، أما كلمة آفر فتحيل على أصله الإفريقي. ويبدو أن سيده قد توسم فيه خيرا فعلمه وأحسن تربيته ثم أعتقه إلى أن مات ترنيوس في سن الخامسة والثلاثين وهذا ما أجمعت عليه معظم الروايات، بيد أن سويتونيوس يقول إنه مات في سن الخامسة والعشرين. وعلى أي حال، فإن الروايات التي تتحدث عن حياة ترنتيوس الفنية غير محققة ولا موثقة ومن ثم فليست صادقة تماما. أما بالنسبة لحياة ترنتيوس الفنية فقد وصلنا أفضل مصدر وأوثقه ألا وهو مسرحياته الست بمقدماتها التي رد فيها على نقاده."4
هذا، وقد تبحر ترنتيوس في العلوم والفنون والآداب، وأصبح فريد زمانه وكاتبا مسرحيا كبيرا مازالت آثار أعماله راسخة في الريبرتوار الروماني واللاتيني والغربي، وعرف كذلك بكونه شاعرا كوميديا هزليا.
ومن جهة أخرى، فقد أتقن ترنتيوس اللغتين اليونانية واللاتينية علاوة على لغته الأمازيغية التي لم يفرط فيها قيد أنملة. وألف الكثير من المسرحيات ولم يبق منها إلا ستة أعمال فقط. وفي كل سنة كان يطلع على الجمهور بنص مسرحي ما بين 166 و160 قبل الميلاد. و طارت شهرته الكبيرة " دفعة واحدة، ونال الجوائز، فحسده الحساد واتهموه بالسرقة الأدبية، فدافع عن نفسه بما كان له من قوة. فأنصفه التاريخ من بعد، ورد إليه نقاد العصور المتعاقبة اعتباره كاملا وبينوا أن تأثيره في الأدب المسرحي بقي ظاهرا إلى حدود القرن السابع عشر... وهو صاحب القولة المشهورة " أنا إنسان؛ لا يخفى عني أي شيء مما هو إنساني!". ومن إفراطه في حب الأدب أنه مات حزنا بأرض اليونان، بعد أن ضيع في البحر مخطوطات له، وهو ابن الثلاثين"5، أو الخامسة والثلاثين.
ومن مسرحياته الست المشهورة : "فتاة أندروس"، و"الحماة"، و"المعذب نفسه"، و"الخصي"، و"فورميو"، و"الأخوان".
3- الشاعــر فلوروس:
ولد فلوروس Florus الأمازيغي في أفريقيا ، وسافر إلى روما التي ظل فيها خطيبا مفلقا ومؤرخا وشاعرا، وكان يشارك في المهرجانات الشعرية التي كانت تقام بالكابيتول، ومن كتبه" ملخص التاريخ الروماني".
ج- الخطباء والبلاغيون الأمازيغ:
1- فرونـتون:
ولد فرونتون أو مرقص كورنيليوس فرونتو Marcus Cornelius fronto بسيرتا بنوميديا ( الجزائر) ، وهو من أهم علماء البلاغة الأمازيغ الذين كانوا يكتبون باللاتينية، ومن أهم النحاة والمحامين الأفارقة الذين عاشوا بروما اللاتينية. وعرف عنه بكتابة الرسائل باللاتينية واليونانية واستبدالها مع تلامذته وأسياده الأباطرة الحاكمين على الإمبراطورية الرومانية و مع أفراد الأسر المرموقة و العائلات الأرستقراطية المعروفة آنذاك. وكان فرونتو يرى أن البلاغة هي مدخل كل علم وفن ومصدر كل معرفة ولو كانت معرفة فلسفية.