عرفت
الممالك الأمازيغية القديمة في شمال أفريقيا نهضة ثقافية وفكرية ودينية
نشيطة بفضل أبنائها الذين كرسوا كل جهودهم من أجل خدمة الهوية الأمازيغية
ولغتها وحضارتها، والوقوف ضد الغزاة والمحتلين الرومان والوندال
والبيزنطيين الذين استهدفوا السيطرة على شعوب تامازغا وتقسيم الأمازيغيين
إلى ليبيين ونوميديين وموريين أو تقسيم البلاد إلى أفريكا ونوميديا
وموريتانيا والتي بدورها تم تقسيمها إلى موريتانيا القيصرية (الجزائر)
وموريتانيا الطنجية ( المغرب) من أجل استغلال ثروات هذه البلدان وإذلال
شعوبها وتركيعها ومسخ هويتها. بيد أن الأمازيغيين حاربوا هؤلاء المستعمرين
القساة الطامعين وصدوهم بقوة وصمود . وقد أظهر كل من ماسينيسا ويوغورتة
وتاكفاريناس وإيدمون ودوناتوس شجاعة نادرة وبسالة كبيرة في التصدي
والمقاومة والمواجهة مازال التاريخ القديم يشهد بذلك عبر صفحاته الناطقة.
وسنحاول في هذه الدراسة المتواضعة أن نركز على بعض الجوانب الثقافية
والأدبية والدينية والعلمية في الحضارة الأمازيغية القديمة مستعرضين بعض
الشخصيات الأمازيغية التي خدمت الساحة الفكرية المحلية والجهوية
والعالمية.
أ- المثقفون السياسيون الأمازيغيون:
1- الملك يوبـــــا الثاني:
يعتبر يوبا أو جوبا الثاني من كبار العلماء والمثقفين الأمازيغ إذ كان
يمتاز بسعة العلم والاطلاع، وكان كثير السفر والبحث والتجوال وموسوعي
المعارف والفنون. وقد ألف كثيرا من الكتب والبحوث والمصنفات ولكنها لم تصل
إلينا سليمة، بل ثمة إشارات إليها في كتب المؤرخين مبثوثة هنا وهناك...
هذا، وقد تمكن يوبا الثاني ومن بعده ابنه بطليموس من توحيد القبائل
الموريتانية في إطار مملكة مورية، ويعني هذا أن يوبا الثاني وحد القبائل
الامازيغية في المغرب واتخذ عاصمتين لمنطقة نفوذه " شرشال" في الجزائر أو
ما يسمى ب" قيصرية" إرضاء للروم و " وليلي" عاصمة له في المغرب . وأنشأ
حكما ديمقراطيا نيابيا تمثيليا، وشجع الزراعة والصناعة والتجارة. كما اهتم
بالجانب الثقافي والعلمي والفكري ، فأعد خزانة ضخمة جمع فيها أنواعا من
الكتب والوثائق العلمية والتاريخية، واستقطب نحو عاصمته كبار العلماء
والأطباء من اليونان والرومان، وأمر بجمع النباتات الطبية والأعشاب. وشارك
في رحلات علمية استكشافية داخل جبال الأطلس ونحو جزر كناريا الحالية. وجمع
رحلاته العلمية وكشوفاته الطبيعية والجغرافية وأحاديثه عن المغرب في ثلاثة
مجلدات ضخمة سميت" ليبيكا"، ومن أحسن ما تضمنته ليبيكا قصة "الأسد الحقود"
التي مازالت تروى من قبل الجدات في عدة مناطق أمازيغية في المغرب باللغة
البربرية كما ورد في كتاب"لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ
الأمازيغيين" .
ويقول الباحث المغربي محمد شفيق عن يوبا الثاني بأنه كان يكتب" باليونانية
في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والأدب وفقه اللغة المقارن، فتعجب من
نبوغه " فلوتارخوسPlutarkhos" ومن كونه" بربريا نوميديا ومن أكثر الأدباء
ظرفا ورهافة حس"....ونصب له الأثينيون تمثالا في أحد مراكزهم
الثقافية...تقديرا لكفاءته الفكرية. وقد نقل عنه علماء العصر القديم،
وحسده معاصروه منهم ونفسوا عليه نبوغه، بصفته بربريا barbarus ، وكأن
نفاستهم عليه تسربت إلى نفس المؤرخ الفرنسي Stéphane Gsell ، إذ ما فتئ
Gsell يحاول أن يغض من قيمة أعمال يوبا الفكرية، فتبعه في ذلك تلامذته من
الأوربيين الذين أرخوا للمغرب الكبير في عهد الاستعمار الفرنسي، كما تبعوه
في تحاملهم على أبيه يوبا الأول من أجل حرصه على سيادة مملكته. والدافع
عند Gsell ومن تبعوه هو أنهم كانوا يعتبرون الفرنسيين ورثة للرومان في
أفريقية الشمالية، ويرون أن "الأهالي " Les indigènesلا يمكن أن يكونوا
إلا "أهالي" في الماضي والحاضر على السواء، بما أشربته الكلمة في لغتهم
إذاك من معاني الاحتقار." .
و إذا انتقلنا إلى مؤلفات يوبا الثاني فهي كثيرة لا يمكن عدها أو حصرها،
ومنها: " تاريخ بلاد العرب" الذي وضعه لتعليم يوليوس قيصر إمبراطور
الرومان، و"آثار آشور" وقد كتبه بعد أن رأى بلاد الأشوريين واستمتع
بحضارتهم وثقافة بلاد الهلال الخصيب، كما كتب عن "آثار الرومان القديمة" ،
و" تاريخ المسارح " الذي تحدث فيه عن الرقص وآلاته الموسيقية ومخترعي هذه
الفنون، وكتب " تاريخ الرسم والرسامين" ، وكتاب "منابع النيل" بله عن كتاب
"النحو" و"النبات".
ويظهر لنا هذا الكم الهائل من الكتب أن يوبا الثاني كان من المثقفين
الأمازيغيين الكبار الذين تعتمد عليهم الإمبراطورية الرومانية في التكوين
والتأطير والتدريس وجمع المادة المعرفية المتنوعة التي تتمثل في الجغرافيا
والحفريات واللغويات والفنون والتاريخ والطبيعيات... وكانت ليوبا الثاني
مكانة كبيرة في المجتمع الروماني مادام قد حظي بتدريس يوليوس قيصر
الروماني وسهر على تثقيفه وتعليمه.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان يوبا الثاني يهتم بتجميل الحواضر وتزيينها على
غرار الحواضر الرومانية تقليدا بفن عمارتها وهندسة مبانيها وجمال مدنها
كما يقول المؤرخون "خاصة عاصمتيه أيول( قيصرية) وأوليلي، مما يعكس ذوقه
ومدى الرخاء الذي شهدته مملكته، فضلا عما يمكن استنتاجه من كون تشجيع
الحياة الحضرية يدخل في إطار السياسة الرومانية الرامية إلى تدجين
الأمازيغيين.
خلاصة القول: إن يوبا الثاني أيضا " حكم موريتانية تحت مراقبة روما
وبالنيابة عنها طوال الفترة بين 25 قبل الميلاد و23 قبل الميلاد قام
خلالها بتمهيد السبيل أمام الحكم الروماني."
وعلى الرغم من ذلك، فقد خدم يوبا الثاني الثقافة الأمازيغية حتى أصبح
نموذجا يحتذى به في البحث الجغرافي ومجال الاستكشاف الطبيعي والتنقيب
الميداني.
ب- الأدباء الأمازيغيون:
1- الروائي أبوليوس أو أفولاي:
نشأ لوكيوس أبوليوس أو أبوليوس الماضوري في أسرة أرستقراطية في مدينة
مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس سنة 125م. إذ كان أبوه أحد الحاكمين
الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، و كان أبوليوس أشهر كتاب و
شعراء هذا العهد.
لقد درس هذا الأديب الأمازيغي الأصل بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف، و
كانت هذه المدينة الإفريقية عاصمة فكرية و سياسية في آن معا، و نبغ فيها
هذا الأديب، وتخصص في المسرح و نبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في
المسرح، و كان يقول لهم:" إني لا أرى في مدينتكم إلا رجالا كرعوا من مناهل
الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، و تحلوا به شبانا
ودرسوه شيوخا، إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتنا، و هي عروس الشعر
في إفريقية، و هي أخيرا، ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة"(13). وقد تابع
أبوليوس دراساته العليا في اليونان ( أثينا) وإيطاليا و آسيا الصغرى، و
لقد أعجب بالفلسفة السوفسطائية ، و الفلسفة الأفلاطونية المحدثة،
والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية
سعيدة(14).
و بعد عودته الى بلده، اتهم هناك بممارسة السحر، فدافع عن نفسه بصلابة، و
ألف في الموضوع كتابا عنوانه:" في السحرMagicae."(15).و سبب هذه التهمة
أنه صادف أثناء إقامته في طرابلس أن وقع في مغامرة غريبة،" ذلك أنه ما أن
تزوج من أم أحد أصدقائه، و كانت إلى ذلك الوقت ممتنعة امتناعا شديدا من
التزوج ثانية، حتى اتهم بأنه سحرها، و قد أخذ أحد المحامين على نفسه، أن
يقيم الدليل على أن يدافع عن نفسه دفاعا رائعا. لم يكن كله مقتنعا و أنحى
على خصومه باللائمة، لأنهم خلطوا بين الفلسفة و السحر، و قد حرر خطابه بعد
ذلك في صيغة إيجابية، فأصبح يعرف بالأبولوجيا (Apologie)(16).
و لم تعق هذه التهمة مسيرته الفكرية، إذ سرعان ما توجه إلى قرطاج لممارسة
العلم و تلقين الدروس لطلبة الثقافة و الأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه
المدينة، و المحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها
(17).
وعليه، فلقد نعت أبوليوس بمواصفات عدة، إذ كان غريب الأطوار و كثير
المتناقضات فهو جدي و طائش و متطير و شاك و معجب بنفسه، و كان يدافع عن"
المستضعفين" كثيرا.
و كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، إذ نافس
اللاتينيين و الرومانيين و اليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا
ولاسيما في روايته الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، و بها وضعه
تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين في كتابه ذاك الذي
يسمى "التقمصات Les métamorphoses أو الحمار الذهبي (18)، علاوة على كونه
مسرحيا و شاعرا كبيرا خاصة في ديوانه (الأزاهير) Florides ، وهو عبارة عن
مقتطفات شعرية ألقاها في قرطاج وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور فهمي
خشيم . ويضم هذا الديوان ثلاثا و عشرين قطعة من خطاباته تتفاوت طولا
وقصرا، جمعها أحد المعجبين به" كباقة" جمعت أجمل زهور بلاغته، و كان يتبجح
فيها بأنه يتقن الفنون على اختلافها، وكان يتوجه لمساعد القنصل في شيء من
الخيلاء البريئة قائلا:" أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط،
أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة، أو فيض الوجدان،
لمرح الملهاة أو جلال المأساة، و كذلك لا أقصر لا في الهجاء و لا في
الأحاجي و لا أعجز عن مختلف الروايات، و الخطب يثني عليها البلغاء، و
الحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟إني أنشئ في كل شيء سواء
باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس و نفس الأسلوب"(19).
وقد أطلقت على روايته الغرائبية (الحمار الذهبي) تسميات عدة من بينها:
المسوخ Les métamorphoses ، وقصة المسخ كما عند حميد لحمداني، أو "الحمار
الذهبي" ( أو التحولات ) كما عند عمار الجلاصي، أو الحمار الذهبي فحسب كما
لدى أبو العيد دودو ، أو" تحولات الجحش الذهبي" كما عند فهمي علي خشيم.
وأسميها – شخصيا- رواية" الحمار الوردي"، لأن كلمة الورد أو الوردي تتكرر
مرارا في متن الرواية، إذ وصف لوكيوس بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته
بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله،
ويفر كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه.
وهناك من ترجم هذه الرواية عن اللاتينية كعمار جلاصي وأبو العيد دودو،
وهناك من ترجمها عن الإنجليزية كعلي فهمي خشيم.
ومن كتبه الأخرى "دفاع صبراتة" الذي ترجمه الدكتور فهمي علي خشيم، و" في
السحر"، و كتاب"شيطان سقراط" وهو عبارة عن كوميديا ساخرة تختلط فيها
الفلسفة بالسخرية، وقد شرع الكاتب الليبي فهمي علي خشيم في ترجمته إلى
اللغة العربية.
هذا، وقد ظهرت قصة أبوليوس في مسخ الإنسان إلى حيوان ثم عودته الى حالته
الأولى في أواخر القرن الأول بعد الميلاد أي حوالي سنة 170 م في قرطاج، و
راوي هذه القصة هو لوسيــان حيث حوّل البطل لوكسيوس إلى حمار الذي سيعود
إلى صورته الآدمية الأولى بعد مغامرات عديدة تتخللها قصص جزئية متداخلة،
تضمينا و تشويقا وتوليدا كقصة "بسيشـية وكوبيـدون" الرائعة في أبعادها
الفاطاستيكية والأخلاقية.
وتتميز رواية "الحمار الذهبي" بطابع ملحمي و فانطاستيكي غريب، حيث تعتمد
على فكرة المسخ و تحويل الكائن البشري الى حيوانات أو أشياء على غرار
الإبداعات اليونانية . إذ يتحول لوكسيوس في هذه الرواية إلى حمار بسبب خطإ
حبيبته فوتيس التي كان يحبها لوكيوس كثيرا حينما ناولته مادة دهنية في ملك
سيدتها بامفيلا زوجة ميلون التي تمارس السحر في غرفتها السرية، وبهذه
المادة يتحول الكائن البشري إلى أنواع من الطيور والكائنات الخارقة التي
تجمع بين الغرابة والتعجيب. وعندما سمع لوكيوس الشاب أسرار سحر هذه المرأة
دفعه تطفله وفضوله إلى أن يأمر فوتيس بجلب دهن الساحرة ليجربه قصد التحول
إلى طائر لينأى عن الناس ويهاجر حيال عالم المثل بعيدا عن عالم الفساد
والانحطاط البشري. بيد أن فوتيس جلبت له مادة دهنية سامة تحوّل الإنسان
إلى حمار. و بعد مغامرات صعبة ذاق فيها لوكيوس أنواعا من العذاب والهلاك
وتعرف عبرها مكائد البشر وحيلهم يعود إلى حالته الآدمية الإنسانية بعد أن
تدخلت الآلهة إيزيس لتجعله راهبا متعبدا وخادما وفيا لها.
ونخلص إلى أن رواية أفولاي "الحمار الذهبي" سواء أكتبت باليونانية أم
باللاتينية أم بتيفيناغ، فإنها إبداع عالمي يعبر عن هوية أمازيغية مغاربية
نوميدية. وقد أثرت عجائبية هذه الرواية الفانطاستيكية على الأدب القديم
والرواية الغربية الحديثة و الرواية العربية المعاصرة ولاسيما المغاربية
منها. ولا ننسى أن نقول كذلك بأن هذه الرواية من أقدم الروايات الأمازيغية
التي تحسب على الأدب الأمازيغي لا على الأدب اللاتيني كما يذهب إلى ذلك
إميـل فاگيـهFaguet في كتابه "مدخل إلى الأدب" الذي حاول أن يطمس أمازيغية
هذه الرواية ذات الشهرة العالمية ليلصق عليها الهوية اللاتينية ليجرد
الأمازيغيين من كل الفضائل الإيجابية و مهارات الابتكار و الإبداع و
لينسبها إلى اللاتينيين والرومان. ولم تقف هذه الرواية عند عتبة التقليد و
استلهام الخرافة اليونانية، بل كانت آية في الروعة و الخلق والتناص و
الإبداع العالمي قصة وصياغة وسردا.
2- المسرحي ترنتــيوس آفر:
ولد ترينيس آفر في مدينة قرطاج التونسية سنة 184م، وهو من أهم كتاب المسرح
في الثقافة الأمازيغية القديمة وتوفي سنة 159م. وأخذ أسيرا في الحرب
البونيقية الثانية التي خاضتها روما ضد قرطاجنة التي انتهت بهزيمة تونس
وإخضاع شمال أفريقيا كله للسيطرة الرومانية البشعة. وقد اختار أحد أعضاء
مجلس الشيوخ الروماني هذا الغلام خادما له وأعطاه نسبه " ترنتيوس
لوكانوس"، وعاش في وسط طبقي اجتماعي أرستقراطي، أما كلمة آفر فتحيل على
أصله الإفريقي. ويبدو أن سيده قد توسم فيه خيرا فعلمه وأحسن تربيته ثم
أعتقه إلى أن مات ترنيوس في سن الخامسة والثلاثين وهذا ما أجمعت عليه معظم
الروايات، بيد أن سويتونيوس يقول إنه مات في سن الخامسة والعشرين. وعلى أي
حال، فإن الروايات التي تتحدث عن حياة ترنتيوس الفنية غير محققة ولا موثقة
ومن ثم فليست صادقة تماما. أما بالنسبة لحياة ترنتيوس الفنية فقد وصلنا
أفضل مصدر وأوثقه ألا وهو مسرحياته الست بمقدماتها التي رد فيها على
نقاده."
هذا، وقد تبحر ترنتيوس في العلوم والفنون والآداب، وأصبح فريد زمانه
وكاتبا مسرحيا كبيرا مازالت آثار أعماله راسخة في الريبرتوار الروماني
واللاتيني والغربي، وعرف كذلك بكونه شاعرا كوميديا هزليا.
ومن جهة أخرى، فقد أتقن ترنتيوس اللغتين اليونانية واللاتينية علاوة على
لغته الأمازيغية التي لم يفرط فيها قيد أنملة. وألف الكثير من المسرحيات
ولم يبق منها إلا ستة أعمال فقط. وفي كل سنة كان يطلع على الجمهور بنص
مسرحي ما بين 166 و160 قبل الميلاد. و طارت شهرته الكبيرة " دفعة واحدة،
ونال الجوائز، فحسده الحساد واتهموه بالسرقة الأدبية، فدافع عن نفسه بما
كان له من قوة. فأنصفه التاريخ من بعد، ورد إليه نقاد العصور المتعاقبة
اعتباره كاملا وبينوا أن تأثيره في الأدب المسرحي بقي ظاهرا إلى حدود
القرن السابع عشر... وهو صاحب القولة المشهورة " أنا إنسان؛ لا يخفى عني
أي شيء مما هو إنساني!". ومن إفراطه في حب الأدب أنه مات حزنا بأرض
اليونان، بعد أن ضيع في البحر مخطوطات له، وهو ابن الثلاثين" ، أو الخامسة
والثلاثين.
ومن مسرحياته الست المشهورة : "فتاة أندروس"، و"الحماة"، و"المعذب نفسه"، و"الخصي"، و"فورميو"، و"الأخوان".
3- الشاعــر فلوروس:
ولد فلوروس Florus الأمازيغي في أفريقيا ، وسافر إلى روما التي ظل فيها
خطيبا مفلقا ومؤرخا وشاعرا، وكان يشارك في المهرجانات الشعرية التي كانت
تقام بالكابيتول، ومن كتبه" ملخص التاريخ الروماني".
ج- الخطباء والبلاغيون الأمازيغ:
1- فرونـتون:
ولد فرونتون أو مرقص كورنيليوس فرونتو Marcus Cornelius fronto بسيرتا
بنوميديا ( الجزائر) ، وهو من أهم علماء البلاغة الأمازيغ الذين كانوا
يكتبون باللاتينية، ومن أهم النحاة والمحامين الأفارقة الذين عاشوا بروما
اللاتينية. وعرف عنه بكتابة الرسائل باللاتينية واليونانية واستبدالها مع
تلامذته وأسياده الأباطرة الحاكمين على الإمبراطورية الرومانية و مع أفراد
الأسر المرموقة و العائلات الأرستقراطية المعروفة آنذاك. وكان فرونتو يرى
أن البلاغة هي مدخل كل علم وفن ومصدر كل معرفة ولو كانت معرفة فلسفية.
د- المثقفون الدينيون الأمازيغ:
1- ترتوليانوس Tertullianus
ولد تارتولي أو تارتوليان أو ترتوليانوس أو توتوليانوس في قرطاج مابين 150
و 160م، وهو من أهم المقاومين الأمازيغيين للمحتل الروماني وكان سلاحه في
ذلك هو الفكر الديني ونشر الديانة المسيحية ، في الوقت الذي كانت فيه
الإمبراطورية الرومانية ترزح تحت نير الحكم القيصري وظلمة الوثنية ومصادرة
حريات المسيحيين النصارى. وعايش هذا الكاتب المسيحي عهد المحنة، إذ كان
الرومان يعذبون النصارى وكل معتنق للديانة المسيحية الجديدة.
وكان تارتوليان في بداية حياته وثني العقيدة ، ثم تنصر بعد ذلك وتحمس
لدينه الجديد أيما حماسة. ومن أهم كتبه الدينية" دفاعا عن الدين المسيحي
Apologectus» الذي صدر سنة 197م، وفيه يتحدث تارتوليان عن مقومات العقيدة
النصرانية والأدب المسيحي مركزا على الجوانب الخلقية والروحية والإشادة
بالعفة والأخلاق الفاضلة ومحاربة اليهود وأهل البدع، وكانت وفاة هذا
المفكر الديني سنة 240م.
وقد دعا تارتولي في مذهبه الديني إلى التمسك بتعاليم المسيحية القويمة
والتخلي عن مبادئ الكنيسة الرومانية الطبقية، وحرض الناس على التخلص من
الخدمة العسكرية في الجيش الروماني.
وهذا ما يجعل دعوة تارتولي دينية سياسية يرفعها ضد "حاكم روما الدجال"،
وقد اعتنق أصحابه الأمازيغ المسيحية للتخلص من القهر الروماني و ظلمه
البشع وتجبره الفظ ، وهذا ما يوضحه توتوليانوس سنة197م بقوله:" إنك تلاحظ
بنفسك كثرة عددنا، إن الناس يتضجرون من احتلال المدينة، ومن أن المسيحيين
في كل مكان، حتى في الحقول والقرى المحصنة والجزر، وأن كل الأسماء أصبحت
مسيحية، ثم إنهم يتألمون كما لو أن خسارة لحقت بالدولة" .
ويبدو أن تارتولي كان مناضلا دينيا ثائرا وخطيبا مفوها يتزعم " تيار
التطرف المسيحي بالدعوة إلى الاستشهاد ومقاطعة الألعاب العمومية والجندية
والإدارة الرومانية. وأكيد أن مثل تلك التعاليم كانت تشكل خطرا حقيقيا على
الوجود الروماني، مما يفسر حملات الاضطهاد التي شنها الرومان ضد الأمازيغ
خلال حكم فاليريانوس وديوقليانوس( القرن الثالث)، إذ نكل بالمسيحيين
الأمازيغ وسقط ضحايا كثيرون، وفي ذلك يقول القديس أغسطينوس...." إن أرض
أفريقيا مملوءة بأحباء القديسين الشهداء". كما أصدر الإمبراطور
ديوقليسيانوس قرارا بهدم الكنائس ومنع عبادة المسيح وإعدام كل من لم يرتد
عن المسيحية."
2- أرنوب الأكبر Arnobius:
ولد أرنوب الأكبر أو باللاتينية أرنوبيوس Arnobius بإحدى قرى نوميديا
(الجزائر) في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وعرف بكونه كاتبا
وخطيبا وشاعرا. كان في البداية وثني العقيدة فتنصر وهو كهل، و تفقه في
المسيحية والمناظرة العقائدية وعلم الكلام والجدل الديني. وعايش عن صدق
وقلق عهد المحنة الذي كان يتعرض فيه المسيحيون للأذى والعذاب من قبل أتباع
قيصر وجنود الرومان.
ومن أهم مؤلفات أرنوب كتاب " ضدا على الوثنيين Adversus nationes " الذي
أخرجه إلى الناس سنة 300ميلادية في سبعة أجزاء، وهو مكتوب بطريقة نثرية
شاعرية؛ وتحامل في هذا الكتاب على الوثنيين وعباد الأصنام ، وبين فيه أن
عبادة الله هي السبيل للفوز وضمان حسن الآخرة والنجاة الآمنة.
وقد عد أرنوب في الكتابات الدينية المسيحية من آباء الكنيسة ، وكانت ثقافته تجمع بين التطرف والأرثوذوكسية، و توفي سنة 327 ميلادية.
وقد ذهب كثير من المفكرين الفرنسيين إلى استلهام أفكاره مثل: مونتاني Montaigne وبوسويه Bossuet ولافونتين La Fontaine .
3- لكتانسيوس:
ولد لكتانسيوس Lactantius ( كايسليوس فيرميانوس Caecilius Firmianus)
بإفريقيا الشمالية سنة 250 وتوفي سنة 325 م، وهو من أهم تلامذة أرنوب
الأكبر،وقد ألف عدة كتب دينية عن "عقاب المذنبين"، و"الأموات المضطهدين"،
و"الزندقة والحكمة" ، وتتمحور جل كتاباته الدينية حول العناية الربانية.
4- مينوسيوس فيليكس:
يعد مرقص مينوسيوس فيليكس Marcus Minicius Félixمن العلماء الأمازيغ في
ميدان الدعوة الدينية المسيحية في القرن الثاني أو الثالث الميلادي. وعرف
بكتابه الديني المشهور " الدفاع عن المسيحية". ويعود في أصوله إلى أفريقيا
الشمالية على الرغم من لاتينية معرفته ورومانية جنسيته ولغته وكتابته ،
وقد صنف فيليكس ضمن آباء الكنيسة المحترمين.
5- القديس أغسطين:
ولد القديس أغسطين أو أوغستينوس أو غستان Augustinus في تاجسته أو تاگاست
بنوميديا / الجزائر ( مدينة سوق أهراس حاليا) من أم مسيحية وأب وثني. ونهل
من الفلسفة اليونانية وفكر المدرسة الإسكندرية بعد سفره إلى روما عاصمة
الإمبراطورية الرومانية القيصرية فتمثل هناك الفلسفة الأفلاطونية الجديدة
التي تجمع بين مثالية أفلاطون وروحانيات المشرق والفكر الغنوصي لدى
أفلوطين. وبعد عودته سنة 388م إلى سوق أهراس أنشأ ديرا للتعبد والدعوة إلى
الديانة المسيحية بعد أن تنصر في الثالثة والثلاثين من عمره، وعين بعد ذلك
أسقفا بمدينة عنابة التي روج فيها أغسطين أفكاره الدينية ومعتقداته
الإنجيلية التي كان لها أثر عميق في الكنيسة المسيحية، دون أن ينسى هويته
الأمازيغية التي كان يدافع عنها كثيرا بالفكر والممارسة.
ويعرف عن أغسطس أنه كان أستاذا نابها درّس البلاغة في القرية التي ولد
فيها، ففي قرطاجة، ثم في روما وميلانو. وبعد اعتناقه للمسيحية" رقي
الدرجات الكنسية في ظرف تسع سنوات فقط، فأصبح أسقفا سنة 396م، وكرس حياته
لتنظيم الكنيسة الإفريقية والتأليف الديني. وقد ترك للمسيحيين مؤلفات لا
تزال حتى اليوم مرجعا لهم، يعتبرونها قاعدة صلدة لفلسفة أقانيمهم
الثلاثة."
و للقديس أوغسطين أكثر من مائتي كتاب باللاتينية أشهرها: كتاب "
اعترافاتي" الذي يعد - على حد علمي- أول كتاب في الاعترافات وأول خطاب
أوطبيوغرافي في تاريخ الإنسانية ، وقد قيل في حق هذا الكتاب كثير من
الأقوال التي تشيد بكتاب الاعترافات وتجعله في مصاف الكتب القيمة
والمؤلفات السباقة إلى وضع أسس أدب الاعتراف وتأسيس جنس السيرة الذاتية،
وهذا الدارس العراقي إحسان عباس يدرج أوغسطين ضمن الأدب الغربي اللاتيني
متجاهلا هويته الأمازيغية .
وعلى الرغم من ذلك، فإنه يضعه على قمة هرم أدب الاعتراف والسيرة
الأوطبيوغرافية:" وفي السير الغربية معالم كبيرة كان لكل معلم منها أثره
في كتاب السيرة الذاتية وطريقتها، وفي طليعة تلك السير " اعترافات القديس
أوغسطين" فإنها فتحت أمام الكتاب مجالا جديدا من الصراحة الاعترافية،
وشجعت الميل إلى تعرية النفس، في حالات كثيرة تلتبس بالآثام، أو يثقل فيها
عناء الضمير."
ومن أهم الكتب الأخرى التي ألفها أغسطس كتاب" مدينة الإله" الذي دافع فيه
عن المسيحية وانتقد فيه المذهب الدوناتي، وكذلك كتاب"اعترافات التوبة"،
وكتاب "المراسلات".
ويظهر أن" القديس أغسطس" كان متعاطفا " مع الأفارقة أي مع الأمازيغيين
ويدافع عن هويتهم، ولكن في نطاق العمل التبشيري الرسمي. ومما يلفت النظر
أنه هو المؤلف الأفريقي اللاتيني الوحيد الذي ضبط تاريخ ولادته، كما ضبط
تاريخ وفاته. والسبب في نظرنا- يقول الباحث المغربي محمد شفيق- هو أن أحد
أبويه كان رومانيا، كما هو معلوم. وليس من المستبعد أن تكون هجنته هي سبب
موالاته للسلطة الرومانية الدينية....."
وهنا نفتح قوسا لنقول بأن أغسطس كان يحارب من قبل الأمازيغيين بسبب ميله
الكبير إلى الدولة الرومانية، وخاصة من قبل رجال الدين الدوناتيين الذين
انشقوا عن الكنيسة الرومانية الرسمية. ومن الذين رفضوا خط أغسطس في تمثل
تعاليم كنيسة روما القيصرية أوغستنيوس الدوناتي الذي عرض على القضاء في
أوائل القرن الخامس الميلادي .
هذا، وقد مات أغسطين شهيدا في 29/08/430م مدافعا عن مدينته عنابة ضد
الغزاة الونداليين الهمج. ونقول في حقه ماقال شارل أندري جوليان الذي
اعتبره" خطيبا وكاتبا من طراز عال، فلم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في
مرتبته قط" .
أما إميل فاگيه Emile faguet فقد قال في حقه كلاما رائعا يبين مكانته
الكبيرة في الثقافة القديمة:" والقديس أوغسطينوس فيلسوف قبل كل شيء، رجل
يحلل الآراء ... وهو فوق ذلك خطيب عظيم مؤرخ أو بالأحرى فيلسوف للتاريخ في
كتابه" مدينة الله" ، وهو أخيرا شاعر للقلب والوجدان الممتع في"
اعترافاته" الخالدة. وربما كان هذا الرجل أغرب رجل في العالم القديم كله."
ويتبين لنا من خلال مؤلفات النصارى الأفارقة لمسيرة الكنيسة أنها" كانت
أيام ترتوليان تعارض السلطة الرومانية معارضة عنيفة إلى حد رفض الانخراط
في الجندية، ثم انتهت أيام أوغسطين إلى التفاهم والتعايش معها. فأصبحت كل
من السلطتين المدنية والدينية، تعترف بنفوذ الأخرى المطلق داخل النطاق
المحدد لها.".
6- القـس دوناتوس:
يعرف القس دوناتوس في التاريخ الأمازيغي بأنه من أبرز المفكرين الدينيين
الأمازيغ المعروفين بمقاومتهم الشرسة للاحتلال الروماني وألف كتابا
بعنوان"الروح القدس". و شكل حركة ثورية دينية واجتماعية وسياسية قامت بدور
تاريخي هام ما بين 4 قبل الميلاد و429 ميلادية.
هذا، وقد انشق دوناتوس عن المذهب المسيحي الذي أراد الإمبراطور الروماني
تيودوز فرضه على الشعوب الخاضعة لحكمه منذ تبنيه له سنة 391م . وقاد
دوناتوس في إطار ثورته الدينية مجموعة من رجال الكنيسة الأمازيغيين
الرافضين للسلطة الرومانية والتي أدت إلى ما يسمى بالثورة الدوناتية نسبة
إلى دوناتوس Donatus . وتمتاز هذه الحركة الدوناتية الدينية بأنها ذات
صبغة أمازيغية متمردة عن الحكم الروماني وتعاليم الكنيسة الرسمية.
وعليه، فإن دوناتوس كان يدعو إلى مذهب ديني جديد يقوم على إقرار المساواة
بين الناس، ويعمل على مساعدة الفقراء ولا يعترف بأية سلطة غير سلطة الإله
الخالق، وكان يأمر الأمازيغيين بطرد كبار الملاك من أراضيهم وأصحاب النفوذ
من المسيحيين الكاثوليك من بلادهم.
وقد انتشرت الدوناتية في الكثير من الولايات والممالك الأمازيغية وخاصة في
ولاية أفريكا وولاية نوميديا ، وتشكلت مجموعة من التنظيمات العسكرية التي
كانت تهاجم مزارع الأرستقراطيين الرومان لتحرير عبيدها وأقنانها
المظلومين. لكن الحكومة الرومانية أرسلت أحسن قواد جيشها رفقة قوات عسكرية
عاتية سنة 411 م للتنكيل بالدوناتيين، فشتتهم بقوة وعنف وقضت على أتباع
هذه الحركة الدينية ، وسلمت أملاكها وكنائسها للمسيحيين الكاثوليك، في
النفس الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية الرومانية على وشك التداعي و
السقوط والاضمحلال.
7- برمانيوس:
يعد برمانيوس من أهم المثقفين الدينيين الأمازيغيين في أفريقيا الشمالية،
وهو صاحب كتاب ضخم تحت عنوان" في الدفاع عن الدوناتية"، وله أيضا مجموعة
من" المزامير" الدينية.
8- أبتا الميلي:
إذا كان برمانيوس من أهم المدافعين عن الحركة الدينية الدوناتية، فإن أبتا
الميلي الكاثوليكي على العكس اشتهر بين الناس والمثقفين المسيحيين
بانتقاده الشديد للمذهب الدوناتي وبموالاته للرومان والكنيسة المسيحية
الرسمية.
9- تيكونيوس:
ولد تيكونيوس في أفريقيا الشمالية على الرغم من جنسيته اللاتينية واسمه
الروماني، وهو من أشهر العلماء الأمازيغ في مجال الدين وقد كان علمانيا
لائكيا يدعو إلى فصل الدين عن الدولة ؛ مما جعل الدوناتيين ينتقدونه
انتقادا شديدا. وكان أيضا فقيها وأديبا نشر شرحا للجليان Apocalypse الذي
به نال شهرة كبيرة، كما وضع كتابا في " تفسير الكتاب المقدس" تبنى فيه
طريقة جديدة في الشرح والتحليل والتأويل.
10- قبريانوس:
ولد القديس الشهيد قبريانوس الأمازيغي في أفريقيا الشمالية في القرن
الثالث الميلادي. وعرف بكونه كثير الدفاع عن المسيحية، وفي المقابل عرف
بعدائه الشديد للنحل المخالفة لملته وتصديه للعقائد الضالة التي تتنافى مع
الديانة الإنجيلية ذات الطابع المسيحي، ومن أهم مصنفاته الفكرية والدينية
كتابه في" الرد على اليهودية والاحتجاج للمسيحية".
هـــ - العلماء الأمازيغ:
ماركوس مانيليوس:
ولد ماركوس مانيلوس Marcus Manilius في أفريقيا الشمالية، وهو شاعر وعالم
فلكي يكتب باللاتينية. واشتهر في الفكر اللاتيني بأنه كتب قصيدة شعرية
تعليمية في خمسة أجزاء حول علم الفلك القديم وعلم التنجيم. وقد وصف في
قصيدته الفلكية مجموعة من العناصر الطبيعية والكونية كالسماء والأرض
والكواكب والمجرات والأبراج والنجوم، واستقرأ بشكل علمي وتنجيمي أثر
الأفلاك وتلك المظاهر الكونية والطبيعية على حياة الإنسان وسعادته النفسية
والروحية سلبا وإيجابا.
خاتمـــة:
هذه هي أهم الشخصيات الثقافية التي أفرزتها الممالك الأمازيغية القديمة في
تخصصات شتى ومعارف متنوعة. وقد لاحظنا بشكل جلي بأن شمال إفريقيا كان يعج
بالشعراء والكتاب والخطباء والبلاغيين والعلماء والفنانين، كما كان يزخر
أيضا برجال الدين الذين حملوا شعار التنوير والمقاومة والاستشهاد في سبيل
تحرير شعوب تامازغا من قبضة الاحتلال الروماني و الغزو الوندالي و
الاعتداء البيزنطي.
ونستنتج كذلك أن الأمازيغيين كانوا متحمسين لفكرة التدين واعتناق
المسيحية، وكانوا يرفضون الوثنية والاستغلال الكنسي والاحتلال غير الشرعي.
كما نستخلص بأن الأمازيغيين كانوا من السباقين إلى كتابة الرواية والسيرة
الذاتية وأدب الاعتراف والكتابة الدينية ووضع الموسوعات. بيد أن كل ما
كتبه الأمازيغيون كان باسم اللاتينية والفكر اللاتيني واللغة اللاتينية ،
لأن الرومان في الحقيقة هجّروا المثقفين الأمازيغيين المتميزين إلى روما و
فرضوا عليهم الجنسية الرومانية والكتابة اللاتينية مقابل النعيم المادي
والرفاهية الارستقراطية دون أن ننسى بأن الرومان قد زيفوا عناوين مؤلفات
الكتاب الأمازيغيين ورومنوا أسماءهم وعطاءاتهم الفكرية رغبة في القضاء على
هويتهم الأمازيغية وطمس جذورهم الإفريقية ومحو كتابتهم الأصلية
د.جميل الحمداوي