مرحل التعريب الثقافي للأمازيغية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تجلى مطلب التعريب في كل الخطب بالمغرب منذ الكفاح ضد الحماية ما بين 1912 و1956، وهو المبدأ الذي وحد بين دعاة الوطنية بالمغرب عندئذ. ويرمز إلى خيانة النخبة المدينية للمقاومين الأمازيغ الذين لم يكونوا يتكلمون العربية ولم يعتقدوا بأن كفاحهم من أجل الاستقلال سيتحول يوما ما من طرف إخوانهم في النخبة المدينية إلى سياسة ضد لغتهم الأصلية
إن مشروع قانون التعريب لا يمثل إلا استمرارا منطقيا لإيديولوجية منذ 1930، والتي تشكل، مع ظهير 16 ماي المعروف ظلما بالظهير البربري
ومنذئذ احتاج المدافعون عن التعريب إلى خطة ما لشرعنة مطالبهم.
وقالوا إن التعريب سياسة تستهدف الفرنكفونية، من هنا نتساءل: ماذا يستهدف التعريب؟ الفرنكفونية أم الأمازيغية ؟
مر تعريب المغرب بمرحلتين رئيسيتين: "التعريب الثقافي" ودام 13 قرنا منذ الفتح العربي إلى الحماية في 1912. أما المرحلة الثانية فتخص ما بعد الحماية. في البدء لم يكن التعريب سوى حدثا ثقافيا ناتجا عن الاحتكاك بين العربية والأمازيغية، فالتأثير المتبادل بين اللغتين
جعل الأمازيغية أيضا تمارس تأثيرها في العربية، وليست الدارجة المغربية سوى نتيجة هذا التأثير. أما ما قبل القرن 11، فلم يكن تعريب المغرب إلا عملية محدودة. تأثيره اختلف حسب الفترات والأمكنة. ولكن، انطلاقا من القرن 11، أتت عدة قبائل عربية: بنو هلال، بنو سليم، بنو معقل، لتبدأ مرحلة أخرى ستتعرب فيها عدة قبائل أمازيغية. وبالرغم من مرور 13 قرنا من تواجد اللغة العربية بالمغرب،
بقي المغرب أمازيغيا.
بمجيء الحماية، أصبح التعريب حصان طروادة بالنسبة للمتنافسين السياسيين على المغرب. ففرنسا، ومنذ 1912، بدأت بنهج "سياسية عربية" قبل أن تفكر في اتباع "سياسة بربرية". فأنشأت مدارس فرنسية عربية بالمدن الكبرى لأبناء الأعيان من المدينيين.
وللأمازيغ، أحدثت تجربة وحيدة هي كوليج أزرو المحدث في 1927. من السنوات الأولى وبضغط من الوطنيين أصبحت العربية ذات أهمية كبرى في النظام الدراسي الخاص للمؤسسة. هنا نلاحظ، اتجاها لتوظيف العربية لإزاحة الأمازيغية. غير أن المواكب للحملة ضد ظهير البربري 16 ماي 1930، يتمثل في تعبير رواد الحركة الوطنية عن موقفهم الرافض للأمازيغية في وثيقة المطالبة بالإصلاحات الموجهة للإقامة العامة والسلطان،
حيث طالبوا بأن تكون العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة بالمغرب ولغة الإدارة في البلد وعدم إعطاء أية أهمية للهجات البربرية بما في ذلك عدم كتابتها بالحرف اللاتيني.
إن زعماء تلك الفترة ، كانوا واضحين في موقفهم العدائي للأمازيغية. وبالنسبة لهم، فإن فرض اللغة العربية كلغة للإدارة يوازيه إقصاء الأمازيغية. بعد الاستقلال، تمكن هؤلاء من احتكار المناصب الحكومية لفترات متتالية طبقوا فيها خياراتهم السياسية.، فسعوا إلى تعريف المغرب كدولة عربية إسلامية في إطار دستور 1961. إلا أن الملك الحسن الثاني عارضهم وقبل فقط اعتماد العربية كلغة رسمية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]حافظت الفرنسية بالمغرب على عدة امتيازات، رغم أن الدستور لم يمنح لها أي وضع، لكن لم يتم يوما إهانتها وبقيت دوما لغة القطاعات الحيوية بالبلد. وتحولت إلى لغة أم لأبناء الوزراء والبرلمانيين والمسؤولين الذين يدافع معظمهم عن سياسة التعريب بلا حرج. إذ يتلقون تعليمهم بها بالمدارس والجامعات العليا الخاصة وبمدارس البعثات الفرنسية بعيدا عن المدرسة العمومية المغربية المعربة بأزماتها العدة. أما عن النتائج الكارثية للتعريب فسارت بذكرها الركبان بعد أن أصبح النظام التربوي والسياسة التعليمية وسيلة لإعادة إنتاج نفس النخب فكريا واقتصاديا. نخب توظف في تكوينها لغات أجنبية للحصول على المناصب الرفيعة في الدولة، ومن ثمة ضبط الوضعية الراهنة لضمان مرور هذا الإرث لأبنائهم. أما أبناء الشعب فيفرض عليهم الاستمرار في النهل من المنظومات المعربة حتى يكتفوا بالمناصب الصغرى إن وجدت ولا يطمحوا أبدا لمنافسة أبناء النخبة الفرنكفونية على مناصبهم العليا.
وتبقى الأمازيغية الخاسر الأكبر هنا، فإذا كانت الفرنكفونية سياسة دولية مدعمة من قبل فرنسا كدولة كبرى. فالعربية تستند في دعمها إلى البترودولار .
أما الأمازيغية فهي الوحيدة التي لا تستفيد من أي دعم حكومي أو توجهات سياسة دولية، لأنها لغة بدون دولة، ولذلك فإن نتائج التعريب الذي نهجته الدولة منذ الاستقلال لا تتمظهر لنا إلا على مستوى هذه اللغة.
أما دعاة التعريب أنفسهم، فيعترفون بأن ما تحقق من نتائج تعريب المغرب منذ الاستقلال إلى الآن أهم بكثير مما حصل من قدوم العرب منذ 14 قرنا. في غياب أي اعتراف دستوري بالأمازيغية كلغة رسمية للمغرب إلى جانب العربية، لا يمكن الرقي بهذه اللغة التي سيعتبر توظيفها غير مشروع قانونيا وستتلقى الإهانة تلو الأخرى لأنها تفتقر إلى وضع رسمي. وإذا كان البرلمانيون الذي اقترحوا القانون الأخير للتعريب يقولون إنه لا يستهدف الأمازيغية، فهل لديهم ما يكفي من الشجاعة للمطالبة بقانون يحمي الأمازيغية وشرعنة استعمالها في الشارع والإدارة ؟